سوريا: يوم اعتيادي من البراميل
الخميس 27 مارس 2014
هذا المقال جزء من سلسلة خاصة من المقالات بقلم المدونة والناشطة مرسيل شحوارو، واصفة حقيقة الحياة في سوريا تحت نير الصدام المسلح بين القوات النظامية وكتائب الجيش الحر.
كان من المفترض أن تكون هذه المقالة مختلفة لو أنني فعلًا التزمت بالحكمة التي اعتادوا تلقينها لنا ونحن صغار “لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد”. فالبارحة كنت قد أزمعت على كتابتها عندما أدركت أن بطارية حاسوبي الشخصي قد قاربت على الانتهاء. وبما أن منزلي لم يشهد الكهرباء في اليومين الأخيرين فقررت تأجيل الكتابة لصباح اليوم التالي.
كان من المفترض أن هذه المقالة تتحدث عن الحياة اليومية العادية، ذكريات عادية لفتاة مختلفة قليلًا “دعونا نطلق عليها لقب ناشطة” إذا كان هذا اللقب أكثر جاذبية للبعض. اتفقنا أنا والعاملين في إدارة موقع الأصوات العالمية أنه من المهم والضروري أن ننقل لكم بعضًا من جوانب الحياة اليومية، وهذا ما كنت فعلًا أود كتابته لو أنني كتبتها البارحة أو لو أنني مثلًا لست متخمة بالتكنولوجيا إلى درجة أنني حاولت ان أكتبها على الورقة وتحت ضوء مصباح الكاز، لكنني على ما يبدو قد فقدت مهارتي الكتابية دون الاستماع إلى صوت طرطقة مفاتيح الحاسوب.
دعونا نعود إلى المقالة فعلًا، غفوت على فكرة أنني سأكتب المقالة في الغد حالما أمنت الكهرباء، ولكن للطيران الحربي مشاريع مختلفة تمامًا.
صحوت في الثامنة صباحًا على صوت انفجار قريب، صاروخ من الطيران الحربي في مكان لا يبعد مائة متر عن مكان سكني في حي ّ المشهد المحرر في مدينة حلب. وبدأت بعدها العدّ، اثنان، ثلاثة، سبعة، هذا يبدو بعيدًا قليلًا، ثمانية يرتجف زجاج المنزل، فأقرر أن أفتح كل الأبواب والنوافذ، فالإصابة بالانفلونزا نتيجة البرد القارص تبقى أقل أيلامًا من الإصابة بالشظايا الزجاجية، هذا ما كان يدور في ذهني.
أحضرت كل ما يوجد في المنزل من أغطية صوفية وغفوت تحتها، فمع الحرب تعلمت أن أنام مهما كانت شدّة ما يحدث في الخارج. إنه يوم الجمعة، وعليّ أن أشارك في المظاهرة في حيّ بستان القصر، أرتدي ثيابي وأنزل إلى الشارع. وعلى ما يبدو أن هذه خطوة شجاعة جدًا في ظل ما يحصل من قصف. فجأة بدت لي الحارة التي أعود إليها يوميًا غريبة تمامًاً. ستة عشر صاروخ هو الرقم الذي استقر عليه الأصدقاء الذين تابعوا العدّ، ستة عشر صاروخ تكفي لأن تغير ملامح حي سكني متواضع كالحي الذي أسكنه.
الركام في كل مكان والزجاج كذلك. أفكر بسذاجة كم أن الحذاء الـ Ugs الذي اشتريته والذي يعتقد أنه عمليُ جدًا في ظروف مختلفة، غير ملائمٍ أبدًا للسير فوق الركام. في الطريق الجميع ينظر نحو الأعلى، وأعني بالجميع، خمس أو ست أشخاص غيرنا هم كل من تبقى من المدنيين خارج منازلهم. يصيح رجل مسن بصوت يشبه من ينادي على بضاعته لا من يخبرنا باقتراب الموت: أنها تقترب إنها تقترب، لقد وصلت، سترمي سترمي، لقد رمت
صوته الحيادي، محزنُ أكثر بكثير من الحطام.
وبالفعل ترمي الطائرة قريبًاً منا، ويركض البعض بعيدًا عن اتجاه الصوت، ونضحك أنا وصديقي لفكرة السباق مع الطائرة؟ أيعتقد هؤلاء البسطاء أننا لا زلنا في أيام المظاهرات السلمية ونستطيع أن نركض هربًا من الرصاص الحي؟ ام أنه مجرد انعكاس غريزي للنجاة، عفوي ولا منطقي، فمن يستطيع أن يسابق طائرة؟
ترمي الطائرة حمولتها مجددًا، فنقرر انا وصديقي أنه من الغباء متابعة المسير على هذا الحال، ندخل إلى بوابة إحدى الأبنية، لنجد جمهرة من المدنيين الخائفين. نحسدهم على قدرتهم على الخوف، ذاك يعني أن حيواتهم لا زالت تعنيهم، أنهم لم يعتادوا الموت مثلنا. مكبرات الصوت تصدح طالبة من الناس النزول إلى الطوابق السفلية من الأبنية، تصدح أصوات سيارات الإسعاف، ولا يصيبنا أي شيء من الدهشة.
ينطلق صوت رصاص فأسأل صديقي: هل يستطيع هذا الرصاص إصابة الطائرة فعلًا؟ فيجيبني : لا يا عزيزتي لكنه رصاص من القهر. وأحسده ذاك المسلح الذي يشعر بالقهر. كل شيء اعتيادي اعتيادي، دقائق ونتابع مسيرنا.
ساعات وتعود الحياة والباعة والمارة، وحدهم أولئك الذين يقبعون تحت الأنقاض وعائلاتهم وحدهم أولئك الذين خسروا بيوتهم، بكوا اليوم. وحدها صور، لأم تناظر الحريق بلوعة لأن ابنها لا زال في الداخل، وفتاة تتحدث عن والدتها التي انهار فوقها المطبخ، قد تعلق أو لا تعلق في ذاكرتنا. أما نحن فهذا كله بالنسبة لنا يوم اعتيادي جدًا، من البراميل، يصحح لي صديقي وكأن هذا مهم فعلًا، هذه المرة ليست براميل أنها صواريخ.
لذا اعتذر، إنه يوم اعتيادي جدًا من الصواريخ.
مرسيل شحوارو مدونة وناشطة من حلب، سوريا وتغرد على Marcellita@
مصادر
[عدل]- نص مؤلف ومترجم برخصة المشاع الإبداعي نَسب المُصنَّف 3.0 غير موطَّنة (CC BY 3.0). «سوريا: يوم اعتيادي من البراميل». الأصوات العالمية. 27 مارس - آذار 2014.
شارك الخبر:
|