Academia.eduAcademia.edu

التفسير عند الأنبا شنودة رئيس المتوحدين

‫اتلفسري عند األنبا شنودة رئيس املتوحدين‬ ‫اعدل زكري‬ ‫‪1‬‬ ‫مقدمة‬ ‫احتل الكتاب املقدس ماكنة جوهرية يف فكر األنبا شنودة‪ ،‬فالكتاب املقدس‬ ‫بالنسبة للك إنسان هو اكملاء بالنسبة للسمك؛ فيقول يف عظة ”بدون عنوان‬ ‫ّ‬ ‫‪” :“A1‬حياة السمك يف املياه اجلارية‪ ،‬أما إذا ترك املياه فسوف يموت‪ .‬هكذا‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫أيضا حياة لك إنسان يه يف األسفار (املقدسة)‪ ،‬أما من سيفارقها أو يهرب منها‬ ‫فسوف يموت“‪ 1.‬كما يشري األنبا شنودة إىل أن مشلكة اهلراطقة أنهم تركوا‬ ‫الكتاب املقدس‪” ،‬أم أنكم ال ترون أن لك اهلراطقة قد ماتوا‪ ،‬ألنه لم يكن‬ ‫عندهم أسفار اهلل؟“‪ 2.‬الكم الكتاب هو اذلي سيبطل الكم اهلراطقة‪ ،‬فيف عظة‬ ‫”من اذلي يتلكم يف انليب“ يقول‪” :‬نور لكمات األسفار (املقدسة) هو اذلي يمحو‬ ‫الالكم املظلم اذلي للوثنيني ولك اهلراطقة“‪.‬‬ ‫‪3‬‬ ‫ّ‬ ‫حبسب األنبا شنودة‪ ،‬لكمة اهلل تشخص حاتلنا املزرية فيقول يف عظة ”من‬ ‫ً‬ ‫الشخص اذلي يقول“‪” :‬إذا فهمنا األسفار املقدسة جيدا‪ ،‬فسوف نعرف أننا‬ ‫بؤساء“‪ 4.‬وإن اكنت األسفار أداة تشخيصية فيه عالجية ً‬ ‫أيضا‪ ،‬إذ يقول يف عظة‬ ‫”بعض أنواع انلاس يفتشون القاذورات“‪” :‬توجد أداة يلقيها هؤالء انلاس‬ ‫اذلين ذكرت هم يف املاء‪ ،‬ويه تصطاد اذلهب والفضة حىت جيده هؤالء اذلين‬ ‫حيملقون يف املاء‪ .‬أما أنت أيها اإلنسان فإن دعوات األسفار اإلهلية تطاردك ليك‬ ‫ُ‬ ‫تتوب‪ .‬فلتدع لكمة اهلل تصطادك وتمسك بك حىت جيذبك من وحل اخلطية‬ ‫‪ . 1‬األنبا شنودة رئيس املتوحدين‪ ،‬عظة بدون عنوان ‪ ،A1‬ترمجة د صموئيل معوض‪ ،‬دورية مدرسة األسكندرية‪،‬‬ ‫عدد ‪.208 ،2023 ،34‬‬ ‫‪ . 2‬األنبا شنودة رئيس املتوحدين‪ ،‬عظة بدون عنوان ‪.208 ،A1‬‬ ‫‪ . 3‬األنبا شنودة رئيس املتوحدين‪ ،‬عظة من اذلي يتلكم يف انليب‪ ،‬دورية مدرسة األسكندرية‪ ،‬عدد ‪،2020 ،28‬‬ ‫‪.269‬‬ ‫‪ . 4‬دكتور صموئيل القس قزمان معوض‪ ،‬إطالالت ىلع األدب القبطي‪ ،‬ج‪( ،3‬القاهرة‪ :‬مدرسة األسكندرية‬ ‫لدلراسات الالهوتية‪.104 ،)2018 ،‬‬ ‫‪2‬‬ ‫ِ‬ ‫اذلين يطلبونك“‪ 5.‬ذللك ال عجب أن يشلك الكتاب املقدس وتفسرياته‬ ‫ً‬ ‫كبريا من حمتوى كتابات األنبا شنودة‪ .‬يف هذه الورقة‬ ‫واقتباساته جزءً ا‬ ‫سأستعرض بعض األسايلب اتلفسريية اليت اتبعها األنبا شنودة‪.‬‬ ‫اتلفسري الرمزي األيلجوري يف بيئة معادية ألورجيانوس‬ ‫اكن األنبا شنودة من أعنف املناهضني ألورجيانوس واألورجيانية‪ ،‬لكن هذا ال‬ ‫يعين أنه امتنع ً‬ ‫تماما عن استخدام هذه الطريقة يف اتلفسري‪ .‬اتلفسري الرمزي‬ ‫ً‬ ‫األيلجوري اذلي اشتهر به أورجيانوس اكن موجودا دلى مفرسي األيلاذة‬ ‫واألوديسة وعند فيلو السكندري‪ ،‬وهو وسيلة هرمنيوطيقية جيدة إذا‬ ‫استُخدمت بشلك متوازن ويف إطار ابلناء الرويح‪ ،‬دون اتلطرق للمسائل‬ ‫العقائدية‪ ،‬ألن الرمزية األيلجورية الفيلونية جتعل اتلارخيانية يف موضع شك‬ ‫ً‬ ‫كثريا‪ .‬وهذه انلقطة األخرية يه اليت تثري‬ ‫أو ىلع األقل يف مرتبة مرتاجعة‬ ‫اعرتاضات آباء آخرين ومدارس تفسريية أخرى‪ ،‬أي حني تصبح تارخيية بعض‬ ‫األحداث والشخصيات ىلع املحك‪.‬‬ ‫يف عظته ”حينما جلست ىلع جبل“ يستخدم األنبا شنودة الرمزية األيلجورية‪،‬‬ ‫وربما ساعده ىلع ذلك طبيعة انلص نفسه‪ ،‬نشيد األناشيد‪ ،‬فالرفيقة احلمامة‬ ‫اليت حتدث عنها سليمان (نش ‪ )10 :2‬يه ”الكنيسة“‪ ،‬وعيناها اليت تشبه عيون‬ ‫احلمام (نش ‪ )15 :1‬هما ”األنبياء والرسل“‪ ،‬واثلديان هما العهدان القديم‬ ‫واجلديد‪ ،‬والطالعة من الربية (نش ‪ )6 :3‬يه كنيسة األمم‪ ،‬واألخ والعريس هو‬ ‫املسيح‪ .‬والعظة مليئة باستخدام بالرمزية األيلجورية‪ 6.‬وإذا نظرنا إىل تفسري‬ ‫‪5. David Brakke, Andrew Crislip, trans., Selected Discourse of Shenoute the‬‬ ‫‪Great: Community, Theology, and Social Conflict in Late Antique Egypt, (UK:‬‬ ‫‪Cambridge University Press, 2015), 106.‬‬ ‫‪ . 6‬األنبا شنودة رئيس املتوحدين‪ ،‬عظة ”حينما جلست ىلع جبل“‪ ،‬ترمجة موريس وهيب (القاهرة‪ :‬املرتجم‪ ،‬بدون‬ ‫‪3‬‬ ‫ً‬ ‫أورجيانوس مثال ملثل السامري الصالح‪ ،‬سنجده يتبع نفس املنهجية تقريبًا‪.‬‬ ‫فالرجل انلازل من أرحيا هو آدم‪ ،‬واللصوص هم القوى املعادية‪ ،‬وادلابة يه جسد‬ ‫الرب‪ ،‬واخلان هو الكنيسة‪ ،‬وادليناران هما اآلب واالبن‪ ،‬وهكذا‪ .‬ويه منهجية‬ ‫قريبة من املنهجية اليت استخدمها األنبا شنودة‪ 7.‬وذللك خيتلف ابلاحث مع‬ ‫ابلاحث نيكوالوس كوريمنوس يف تعليقه ىلع عظة ”حينما جلست“ بأن األنبا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مسارا خمتلفا عن أورجيانوس؛‪ 8‬فليس معاداة أورجيانوس اكفية‬ ‫شنودة اختذ‬ ‫لالبتعاد عن الرمزية األيلجورية طاملا اكنت مفيدة للبناء الرويح‪ ،‬وطاملا اكنت‬ ‫طبيعة انلص الكتايب تستلزم ذلك‪.‬‬ ‫اتلفسري املدرايش‬ ‫معان‬ ‫اتلفسري املدرايش يتجاوز املعىن احلريف املبارش‪ ،‬لكنه ال يذهب إىل‬ ‫ٍ‬ ‫فلسفية اكتلفسري الرمزي األيلجوري اذلي برع فيه أورجيانوس‪ ،‬ولكنه يتجاوز‬ ‫املعىن احلريف إىل أمور تتعلق بتاريخ شعب اهلل‪ .‬ىلع سبيل املثال نهر اجلنة اذلي‬ ‫يتفرع إىل أربعة رؤوس‪ ،‬حبسب األيلجورية الفيلونية تشري األفرع األربعة إىل‬ ‫الفضائل األخالقية الكربى‪ :‬احللم‪ ،‬والشجاعة‪ ،‬وضبط انلفس‪ ،‬والعدل‪ .‬وهذه‬ ‫الفضائل الكربى اكنت معروفة دلى بعض املدارس الفلسفية‪ .‬لكن حبسب‬ ‫اتلفسري املدرايش فهذه الرؤوس األربعة تشري إىل ‪ 4‬ممالك هم بابل‪ ،‬ومادي‪،‬‬ ‫ً‬ ‫تفسريا يشبه املدراش يف عظة‬ ‫وايلونان‪ ،‬والرومان‪ 9.‬لكننا جند عند األنبا شنودة‬ ‫تاريخ)‪( .18 -8 ،‬نسخة إلكرتونية)‬ ‫‪ . 7‬فرانسيس يونج‪ ،‬كريستوفر أ‪ .‬هال‪ ،‬قراءة الكتاب املقدس مع آباء الكنيسة‪ ،‬ترمجة القس يوحنا عطا واعدل‬ ‫زكري (القاهرة‪ :‬مدرسة األسكندرية لدلراسات املسيحية‪.69 ،)2017 ،‬‬ ‫‪ . 8‬نيكوالوس كوريمينوس‪ ،‬تفسري سفر نشيد األنشاد يف عظة األرشميندريت أنبا شنوده ”حينما جلست ىلع‬ ‫جبل“‪ :‬فحص تأثري مبادئ أورجيينوس اتلفسريية ىلع األدب القبطي‪ ،‬ترمجة موريس وهيب‪ ،‬دورية مدرسة‬ ‫األسكندرية‪( ،‬القاهرة‪ :‬مدرسة األسكندرية‪ ،)2021 ،‬عدد ‪.250 ،30‬‬ ‫‪ . 9‬هاري ولفسون‪ ،‬خلفية اتلفسريالرمزي االستعاري عند الرسول بولس‪ ،‬ترمجة أجمد رفعت واعدل زكري‪ ،‬دورية‬ ‫‪4‬‬ ‫”مبارك هو اهلل“ حيث يعلق ىلع آيتني ”هوذا ثالث سنني آيت أطلب ً‬ ‫ثمرا يف‬ ‫ً‬ ‫هذه اتلينة ولم أجد“ (لو ‪ ،)7 :13‬وآية ”اتركها هذه السنة أيضا“ (لو ‪،)8 :13‬‬ ‫ويقول ”ولكين أقول إن عرص ابلطاركة هو السنة األوىل‪ ،‬وعرص القضاة هو‬ ‫السنة اثلانية‪ ،‬وأيام األنبياء يه السنة اثلاثلة‪ ،‬وبشارة اإلجنيل عن هذا‪ ،‬اليت‬ ‫ً‬ ‫‪10‬‬ ‫يه‪ :‬اتركها هذه السنة أيضا“‪.‬‬ ‫معاجلة أحد اتلناقضات الظاهرية وتكميل انلاموس‬ ‫ً‬ ‫تعارضا ظاهريًا‪ ،‬فموىس انليب‬ ‫يعالج األنبا شنودة يف عظة بدون عنوان ‪A15‬‬ ‫يويص باإلقراض بالربا لألجنيب (تث ‪ )20 :23‬بينما يف مواضع أخرى من الكتاب‬ ‫املقدس يُمنع اإلقراض بالربا خاصة ما قاهل حزقيال انليب يف حز ‪ ،17 ،8 :18‬فهل‬ ‫هناك تعارض بني اتلوراة واألنبياء؟ يرشح األنبا شنودة أن قول موىس جيد‪،‬‬ ‫وقول األنبياء جيد ً‬ ‫أيضا‪” .‬ألن موىس وهو اعلم أن اإلنسان لن يرىض أن يقرض‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مقنعا إياه أن يقرض الفقري ئلال‬ ‫من ال يملك‪ ،‬نصب هل فخا بهذه الطريقة‪،‬‬ ‫يموت“‪ 11،‬وباتلايل هذه الوصية فيها نوع من إنقاذ الفقري بأي طريقة حىت وإن‬ ‫لم تكن الطريقة املثىل‪ .‬من ناحية أخرى حبسب األنبا شنودة ”األنبياء يعلمون‬ ‫ً‬ ‫أيضا أنه مغبوط هو العطاء للفقري وعدم االسرتداد منه‪ ،‬أو حىت إذا اسرتددت‬ ‫تكتيف بالعوض عما أقرضته هل“‪ 12.‬وباتلايل وصية موىس فيها إنقاذ لإلنسان‬ ‫املعتاز‪ ،‬ووصية األنبياء يه حتريك أحشاء الرأفة بالفقري‪ .‬والكهما جيدان يف‬ ‫سياقهما‪.‬‬ ‫مدرسة األسكندرية‪ ،‬عدد ‪.105 -104 ،2019 ،26‬‬ ‫‪ . 10‬ادلكتور صموئيل القس قزمان معوض‪ ،‬األنبا شنودة رئيس املتوحدين‪ :‬سريته‪ ،‬عظاته‪ ،‬قوانينه‪ ،‬اجلزء األول‬ ‫(القاهرة‪ :‬بناريون للنرش واتلوزيع‪.229 ،)2009 ،‬‬ ‫‪ . 11‬األنبا شنودة رئيس املتوحدين‪ ،‬عظة بدون عنوان ‪ ،A15‬دورية مدرسة األسكندرية‪ ،‬عدد ‪.259 ،2023 ،35‬‬ ‫‪ . 12‬األنبا شنودة رئيس املتوحدين‪ ،‬عظة بدون عنوان ‪.259 ،A15‬‬ ‫‪5‬‬ ‫من هنا يصل األنبا شنودة إىل أن وصية موىس ال تتعارض مع العهد اجلديد‪،‬‬ ‫ً‬ ‫صالحا؛ ألن الرب لم يأت يلنقض‬ ‫لكن العهد اجلديد ”يقدم ما هو أكرث‬ ‫انلاموس أو األنبياء بل يلكملهم“‪ 13.‬فهناك دائ ًما سؤال مستمر‪ ،‬هل العهد‬ ‫اجلديد يبطل وينقض أم يكمل ويتمم العهد القديم؟ فاكتب رسالة العربانيني‬ ‫ْ ْ‬ ‫يقول ”أ َّما ما عتق وشاخ ف ُهو قر ٌ‬ ‫يب م ْن االضمحالل“ (عب ‪ .)13 :8‬ويويح‬ ‫الكم رسالة العربانيني ىلع إبطال العهد القديم بشلك اكمل‪ .‬يؤيد ابلاحث فكرة‬ ‫أن هناك ثمة استمرارية ‪ continuity‬وثمة انقطاع ‪،discontinuity‬‬ ‫االستمرارية تظهر يف استمرارية انلاموس األخاليق املتمثل يف الوصايا العرشة‬ ‫وحمبة القريب اكنلفس‪ ،‬لكن االنقطاع يظهر يف إبطال ناموس اذلبائح بشلك‬ ‫اكمل بسبب ذبيحة املسيح اثلمينة‪.‬‬ ‫يتعرض األنبا شنودة إىل هذه املسألة يف عظة بدون عنوان ‪ ،A15‬ويرشح معىن‬ ‫اتلكميل‪” ،‬تكميل انلاموس ليس فقط عدم احللف كذبًا مثلما أمر األنبياء‪،‬‬ ‫لكن تكميل انلاموس هو عدم احللف ابلتة‪ ...‬كذلك ليس تكميل انلاموس‬ ‫ً‬ ‫أال تقتل‪ ...‬لكن تكميل انلاموس هو أال تقاوم الرش‪ ...‬كذلك أيضا فإن‬ ‫تكم يل انلاموس ليس يف أن حتب قريبك وتبغض عدوك‪ ...‬لكن تكميل‬ ‫انلاموس هو أن حتب أعداءك وتصيل ]ألجلهم[“‪ 14.‬يفهم األنبا شنودة هنا أن‬ ‫العهد اجلديد أحدث ً‬ ‫نواع من االرتقاء واتلكميل بمعىن بلوغ الغاية من الوصية‪.‬‬ ‫من ناحية أخرى‪ ،‬يتحدث األنبا شنودة عن نوايح طقسية‪ ،‬ويقول إن السيد‬ ‫املسيح أكمل رشيعة اتلطهري اليت ألزم بها انلاموس لك ذكر فاتح رحم‪ .‬لكنه‬ ‫صار حتت انلاموس يلفتدي اذلين حتت انلاموس نلنال ابلنوة؛ ابلنوة اليت حتررنا‬ ‫‪ . 13‬األنبا شنودة رئيس املتوحدين‪ ،‬عظة بدون عنوان ‪.260 ،A15‬‬ ‫‪ . 14‬األنبا شنودة رئيس املتوحدين‪ ،‬عظة بدون عنوان ‪.260 ،A15‬‬ ‫‪6‬‬ ‫ّ‬ ‫من ناموس العبودية‪” ،‬أما انلعمة اليت ختلص اذلين يتقدمون حنو الرب يسوع‬ ‫ً‬ ‫كثريا“‪ 15.‬وباتلايل يبدو هنا انقطاع وإبطال‬ ‫راض فأفضل‬ ‫بقلب صادق وإيمان ٍ‬ ‫للناموس الطقيس للعهد القديم تلحقق ما هو أفضل بكثري‪.‬‬ ‫لكن هذا االنقطاع ليس بال إشارة يف العهد القديم نفسه‪ ،‬فانلاموس يشري‬ ‫إىل املسيح‪ ،‬ويستدل بذلك األنبا شنودة من خالل احلديث عن اجلمل اذلي جيرت‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫وخفه ليس مشقوقا‪ .‬من املعروف أن احليوانات الطاهرة يف العهد القديم البد‬ ‫معا‪ :‬االجرتار واشتقاق الظلف‪ .‬وقد َّ‬ ‫من يتوافر فيها الرشطان ً‬ ‫فرس العديد من‬ ‫اآلباء فكرة االجرتار بمعىن اللهج ادلائم يف لكمة اهلل‪ ،‬بينما شق الظلف يشري‬ ‫إىل قبول العهدين ً‬ ‫معا‪ .‬فالقديس إيريناؤس يقول ”الطاهرون‪ ...‬أوئلك اذلين‬ ‫يشقون طريقهم باإليمان بثبات حنو اآلب واالبن‪ ،‬فهذا ما أشري إيله أنه ثبات‬ ‫أوئلك اذلين يشقون الظلف‪ ،‬وهم يلهجون يف أقوال اهلل‪ ...‬فهذا معىن االجرتار“‬ ‫(ضد اهلرطقات ‪ 16.)4 :8 :5‬أما انلجسون فهم من يفتقرون إىل الرشطني أو‬ ‫أحدهما‪” ،‬اذلين ال يشقون الظلف وال جيرتون‪ ...‬هذه حالة الوثنيني‪ّ ...‬‬ ‫أما تلك‬ ‫ً‬ ‫اليت (جترت)‪ ،‬ولكن ليس هلا ظلف مشقوق‪ ،‬ويه ذاتها جنسة فنجد فيها وصفا‬ ‫رمزيًا لليهود“ (ضد اهلرطقات ‪17.)4 :8 :5‬وباتلايل فايلهود جيرتون ويلهجون يف‬ ‫لكمة اهلل‪ ،‬لكنهم ليسوا مشقويق الظلف بمعىن أنهم لم يؤمنوا بالعهد اجلديد‬ ‫ورساتله‪.‬‬ ‫األنبا شنودة يف العظة يكرر صدى هذا اتلفسري‪ ،‬ويقول ”هذا (ايلهودي) يقرأ‬ ‫ّ‬ ‫يف انلاموس‪ ،‬أما قلبه املظلم فال يتفق مع العهد اجلديد‪ .‬هو ينادي اسم اهلل‪،‬‬ ‫‪ . 15‬األنبا شنودة رئيس املتوحدين‪ ،‬عظة بدون عنوان ‪.261 ،A15‬‬ ‫‪ . 16‬القديس إيرينيئوس‪ ،‬ضد اهلرطقات‪ ،‬ترمجة د نصيح عبد الشهيد‪ ،‬املجدل اثلاين (القاهرة‪ :‬مؤسسة القديس‬ ‫أنطونيوس‪.290،)2019 ،‬‬ ‫‪ . 17‬القديس إيرينيئوس‪ ،‬ضد اهلرطقات‪.290 ،‬‬ ‫‪7‬‬ ‫ً‬ ‫لكنه أيضا جيدف ىلع يسوع ابن اهلل‪ ،‬وىلع انلعمة‪ ،‬والالهوت‪ ...‬فكما أنهم ليس‬ ‫هلم العهد اجلديد‪ ،‬كذلك صاروا غرباء عن العهد القديم ً‬ ‫‪18‬‬ ‫أيضا“‪.‬‬ ‫تفسري تطبييق سيايق‬ ‫األنبا شنودة يف عظة ”بعض أنواع انلاس يفتشون القاذورات“ يوبخ اإللكريوس‬ ‫يف ضوء مناصبهم ومواقعهم احلساسة يف خدمة الشعب‪ .‬ويؤكد هلم أن األكايلل‬ ‫ُ‬ ‫تعطى ”بسبب أتعابهم وأعماهلم الصاحلة‪ ،‬وليس بسبب األماكن أو اللقب أو‬ ‫الزي‪ ،‬وهو ما ال ينفع الشخص اذلي بال أعمال“‪ 19.‬ويستحرض قصة عيسو‬ ‫ويعقوب‪ ،‬االبن األكرب واالبن األصغر‪ ،‬ويصف اإللكريوس باالبن األكرب‬ ‫عيسو‪ ،‬اذلي فقد بركته؛ فاألكلريوس قد يفقدون املرياث بسبب عصيانهم‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ويرضب مثال ألم دليها أبناء‪ ،‬بعضهم يعيشون معها يف ابليت‪ ،‬وبعضهم‬ ‫ً‬ ‫أمورا خمجلة فإنها‬ ‫يشتغلون يف احلقل‪ .‬فإذا فعل اذلين يعيشون معها يف ابليت‬ ‫ّ‬ ‫ستحرمهم من خرياتها‪ ،‬إما إذا أراحوها فإنها ستعطيهم من هذه اخلريات‪ ،‬ثم‬ ‫يقول ” ذللك إذ ا فهمنا أننا ندعو الكنيسة أمنا‪ ،‬فإن اإللكريوس هم األبناء‬ ‫الكبار‪ ،‬والعلمانيني هم األبناء الصغار‪ ،‬فإننا لن حنتاج إىل تفسري الالكم“‪.‬‬ ‫‪20‬‬ ‫ثم يستخدم األنبا شنودة إلثبات فكرته أكرث املزمور الشهري مز ‪” 82‬ا ُ‬ ‫هلل قائ ٌم‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫يف جممع اآلهلة‪ .‬يف وسط اآللهة يقض“‪ ،‬واذلي يُستخدم يف سياقات كثرية عند‬ ‫ُ‬ ‫اتلحدث عن مسألة اتلأهل‪ ،‬لكن األنبا شنودة يفرس اآلهلة هنا بأنهم أصحاب‬ ‫املناصب العليا‪ ،‬ويقابلون يف هذه السياق اإللكريوس‪ .‬اتلفسري هنا أخاليق‬ ‫ً‬ ‫تفسريا الهوتيًا إلثبات اتلأهل اذلي يوهب لإلنسان بفعل عمل‬ ‫وعميل وليس‬ ‫‪ . 18‬األنبا شنودة رئيس املتوحدين‪ ،‬عظة بدون عنوان ‪.262 ،A15‬‬ ‫‪19 . David Brakke, Andrew Crislip, trans., Selected Discourse of Shenoute the Great, 108.‬‬ ‫‪20. David Brakke, Andrew Crislip, trans., Selected Discourse of Shenoute the Great, 109.‬‬ ‫‪8‬‬ ‫ً‬ ‫االبن والروح القدس‪ .‬فإذا فعل اإللكريوس أعماال تليق بمناصبهم سيقول هلم‬ ‫ُ ْ ُ َّ ُ ْ ٌ ُ ْ ِ ُ ُ ُ‬ ‫يل لكك ْم“‪ ،‬لكن إذا ازدروا بمناصبهم‬ ‫اهلل ”أنا قلت‪ :‬إنكم آلهة وبنو الع‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫سيقول هلم اهلل ”مثْل انلَّاس ت ُموتُون وكأحد ُ‬ ‫الرؤساء ت ْسق ُطون“‪ ،‬ثم خيلص األنبا‬ ‫شنودة إىل اتلايل‪:‬‬ ‫يتضح من األسفار املقدسة أنه حني َّ‬ ‫حول الكثريون ممن يف املناصب‬ ‫ْ‬ ‫ْ ِ ْ ْ‬ ‫”احل َّق ً‬ ‫مرا‪ ،‬وثمر ال‬ ‫اإلهلية العليا‬ ‫رب أفسنتينًا“‪ ،‬فإنهم سقطوا مثل رؤساء‬ ‫األمم اذلين حماهم اهلل منذ ابلدء؟ ماذا كسب شاول حني احتقر لكمة‬ ‫ً‬ ‫اهلل؟ لقد سقط من نعمة ذاك اذلي قد جمده يلجعله ملاك‪ ،‬وسقط يف املعركة‬ ‫مع األجانب‪ .‬لقد قلت هذا فقط كشهادة لذلين ال يمزيون أن كثريين‬ ‫سقطوا من القدماء بعد (أن نالوا) لقب ”هلإ“ و”ابن العيل“‪ ،‬وبعد أن‬ ‫ُعينوا كمنفذين للعدالة‪ ،‬مثل الشيخني اذلين ماتا مثل الشعب عديم‬ ‫اإلهل؛ ألن دانيال قد قبض عليهم يف أفعاهلما الرشيرة‪ ،‬ومثل ناداب وأبيهو‪،‬‬ ‫اذلين ماتا مثل هؤالء اذلين ال يعرفون اهلل وال أحاكمه ووصاياه‪.‬‬ ‫‪21‬‬ ‫األنبا شنودة هنا عميل للغاية يف تفاسريه وهذا ينسجم مع شخصيته‪ ،‬ذلا يستخدم‬ ‫الشخصيات الكتابية ملعاجلة قضايا أخالقية وروحية تربز يف جمتمعه‪.‬‬ ‫خاتمة‬ ‫فيما سبق استعرضنا بعض املناهج اتلفسريية اليت اتبعها األنبا شنودة‪ ،‬ووجدنا‬ ‫ً‬ ‫تماما ىلع الرمزية األيلجورية طاملا استدىع انلص ذلك‪ ،‬وقد‬ ‫أنه لم ينسلخ‬ ‫استخدم طريقة املدراش يف أحد انلصوص‪ .‬كما وجدنا أن لألنبا شنودة نظرة‬ ‫ناضجة عن عالقة العهدين ببعضهما ابلعض‪ ،‬وكيف أنه يكرر صدى تفسري‬ ‫آبايئ سابق عن احليوانات الطاهرة‪ .‬ويرى أن العهد اجلديد يكمل ناموس‬ ‫‪21. David Brakke, Andrew Crislip, trans., Selected Discourse of Shenoute the‬‬ ‫‪Great, 110.‬‬ ‫‪9‬‬ ‫العهد القديم من جهة الوصايا األخالقية ويبطله من جهة انلاموس الطقيس‬ ‫ً‬ ‫أخريا من خالل تفسريه ملزمور ‪ ،82‬فهو ال يستخدمه يف سياق عقيدي‬ ‫اذلبائيح‪.‬‬ ‫أو الهويت عن اتلأهل‪ ،‬لكنه يستخدمه يف سياق تطبييق سيايق‪ ،‬حيث اآلهلة يف‬ ‫املزمور يشريون إىل أصحاب املناصب العليا يف الكنيسة من اإللكريوس‪ .‬ومن‬ ‫ثم فقد تنوعت األسايلب اتلفسريية عند األنبا شنودة بشلك يؤكد حبه وعشقه‬ ‫للكمة اهلل‪.‬‬ ‫‪10‬‬