رائد صلاح.. مقاوم في الداخل
تولى الشيخ رائد صلاح رئاسة بلدية مدينة أم الفحم داخل الخط الأخضر ثلاث ولايات متتالية بدءا من 1989، لكنه استقال في أوج الولاية الأخيرة في يوليو/تموز 2001، بعد 12 عاماً من العمل البلدي الناجح بغية التفرغ للعمل السياسي والدعوي.
وقال في إحدى مقالاته التي كتبها بعد الاستقالة إنه ترك العمل البلدي للتفرغ لخدمة الأقصى المبارك وبناء مشروع المجتمع العصامي وخدمة وبناء مشاريع الصحوة الإسلامية.
اعتقل الشيخ مبكرا لعدة شهور فور إنهائه دراسته في الخليل عام 1980 بعد إدانته بالانتماء لمنظمة عسكرية تدعى "أسرة الجهاد" شارك بعضويتها 21 ناشطا من بينهم مؤسس الحركة الإسلامية في البلاد الشيخ عبد الله نمر درويش.
منذ انضمامه للحركة الإسلامية، عارض الشيخ صلاح المشاركة في انتخابات الكنيست، ولذا قاد ونائبه الشيخ كمال خطيب انفصالا عن الحركة الأم بعد اتخاذها قرارا بخوض انتخابات الكنيست عام 1996، فانقسمت لشقين شمالي بقيادته وجنوبي بقيادة حماد أبو دعابس.
معركة استنزاف
ويبرر صلاح موقفه المذكور بالإشارة لعدم جدوى العمل البرلماني، ويرى أن المؤسسة الإسرائيلية تحدد دور عضو الكنيست العربي وتجعله هامشيا وإعلاميا فقط، ويؤكد تعارض الكنيست مع فكرة مأسسة المجتمع العربي.
لعبت الحركة الإسلامية عموماً والشيخ رائد خصوصاً دورا واضحا في رفع نسبة المقاطعة العربية في انتخابات الكنيست حتى بلغت نحو 50% في انتخابات الكنيست الأخيرة (2009)، وهذا ما اعتبره صلاح انعكاسا لإرادة فلسطينيي الداخل بالبحث عن الموقف العصامي.
المشروع العصامي
شكلت انتفاضة الأقصى في أكتوبر/تشرين الأول 2000 مفصلا هاما في بلورة وعي الشيخ صلاح بشأن المسار المراد سلوكه من قبل عرب الداخل الفلسطيني بعد مرور (50) عاماً من النكبة. وتمثل ذلك الوعي بمشروع "المجتمع العصامي" الرامي لإعادة تنظيم وبناء المجتمع العربي بإسرائيل كي لا يبقى مجتمعا استهلاكيا تابعا.
وترجمة لهذا المشروع، شرع صلاح في تأسيس مؤسسات منتجة في ميادين التجارة والصناعة والتموين ومراكز ذات نمط مستقل في شؤون الصحة والوقاية.
وبلغ عدد الجمعيات والمؤسسات التابعة للحركة الإسلامية بعد انتفاضة الأقصى نحو ثلاثين جمعية ومؤسسة تعنى في مجالات شتى مثل الأمومة والطفولة والطلاب والإغاثة والرياضة والشباب والإعلام والأدب والفن والأبحاث والدراسات والأرض والمقدسات.
ومثلت تجربة مؤسسة الأقصى للدفاع عن المسجد الأقصى والقدس وبقية المقدسات في فلسطين -التي يترأسها- نموذجا لنجاح مشروع المجتمع العصامي، كما رسمه الشيخ رائد على مستوى الإعمار والقيم.
ويرى الباحث الخبير بالحركة الإسلامية مهند مصطفى أن انتفاضة الأقصى عمقت وعي الشيخ رائد صلاح بضرورة الحفاظ على انتماء وهوية وصمود أهالي المدن الساحلية (عكا، وحيفا، واللد، والرملة) المعروفة بالمدن المختلطة لإقامة العرب واليهود معا فيها.
الأسلمة والأسرلة
وجابه رائد صلاح مشروع "الأسرلة" بمشروع الأسلمة واعتبره تحديا مركزيا يحظى بجل اهتمامه، وأفاد استطلاع إسرائيلي للرأي نشر في 2002 أعده معهد داحاف الخاص بالاستطلاعات أن 44% من مسلمي الداخل عادوا للالتزام الديني خلال العامين الأخيرين بسبب تعاظم قوة الحركة الإسلامية.
ويشير الباحث مصطفى إلى أن الشيخ رائد صلاح أدخل للخطاب السياسي العربي المحلي مصطلح "الاضطهاد الديني" كمرافق لمصطلح التمييز القومي، تعقيبا على تدخل السلطات الإسرائيلية لتشويه الهوية الدينية لفلسطينيي الداخل.
وفي فبراير/شباط 2002 أصدر وزير الداخلية الإسرائيلية بتوصية من (الشاباك) أمرا بمنع سفر الشيخ رائد خارج البلاد استنادا لقوانين الطوارئ من العام 1948 بحجة الدفاع عن الأمن. وقبل أن تمنعه إسرائيل، كان الأردن قد منعه من دخول أراضيه ست مرات، المرة الأخيرة منعه من التوجه لأداء العمرة والمرور عبر أراضيه في العام 2009.