رائد صلاح.. مقاوم في الداخل

الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية بالداخل الفلسطيني
الشيخ رائد صلاح أطلق مشروع المجتمع العصامي لقطع تبعية فلسطينيي الداخل بإسرائيل (الجزيرة نت-أرشيف)

وديع عواودة
 
بدأ الشيخ رائد صلاح (56 عاما) تجربته في العمل السياسي مبكرا وهو على مقاعد الدراسة، وكان حينها فتى يافعا في كلية الشريعة في الخليل وسرعان ما سطع نجمه بانضمامه للحركة الإسلامية داخل أراضي 48 التي يترأس شقها الشمالي منذ 1996.
 
تولى الشيخ رائد صلاح رئاسة بلدية مدينة أم الفحم داخل الخط الأخضر ثلاث ولايات متتالية بدءا من 1989، لكنه استقال في أوج الولاية الأخيرة في يوليو/تموز 2001، بعد 12 عاماً من العمل البلدي الناجح بغية التفرغ للعمل السياسي والدعوي.
 
وقال في إحدى مقالاته التي كتبها بعد الاستقالة إنه ترك العمل البلدي للتفرغ لخدمة الأقصى المبارك وبناء مشروع المجتمع العصامي وخدمة وبناء مشاريع الصحوة الإسلامية.
 
اعتقل الشيخ مبكرا لعدة شهور فور إنهائه دراسته في الخليل عام 1980 بعد إدانته بالانتماء لمنظمة عسكرية تدعى "أسرة الجهاد" شارك بعضويتها 21 ناشطا من بينهم مؤسس الحركة الإسلامية في البلاد الشيخ عبد الله نمر درويش.
 
منذ انضمامه للحركة الإسلامية، عارض الشيخ صلاح المشاركة في انتخابات الكنيست، ولذا قاد ونائبه الشيخ كمال خطيب انفصالا عن الحركة الأم بعد اتخاذها قرارا بخوض انتخابات الكنيست عام 1996، فانقسمت لشقين شمالي بقيادته وجنوبي بقيادة حماد أبو دعابس.
 

صلاح دعا إلى ترك العمل البرلماني كخيار سياسي لفلسطينيي الداخل (الفرنسية-أرشيف)
صلاح دعا إلى ترك العمل البرلماني كخيار سياسي لفلسطينيي الداخل (الفرنسية-أرشيف)

معركة استنزاف

واعتبر الشيخ انتخابات الكنيست معركة لاستنزاف قوة المواطنين العرب في معركة وهمية لا تسمن ولا تغني من جوع. وتتلخص فحوى مقالاته بهذا الخصوص بدعوة لترك العمل البرلماني كخيار سياسي لفلسطينيي الداخل والتوجه نحو مأسسة المجتمع العربي وبناء قدراته الذاتية بعيداً عن السياسة الإسرائيلية.
 
ويبرر صلاح موقفه المذكور بالإشارة لعدم جدوى العمل البرلماني، ويرى أن المؤسسة الإسرائيلية تحدد دور عضو الكنيست العربي وتجعله هامشيا وإعلاميا فقط، ويؤكد تعارض الكنيست مع فكرة مأسسة المجتمع العربي.
 
لعبت الحركة الإسلامية عموماً والشيخ رائد خصوصاً دورا واضحا في رفع نسبة المقاطعة العربية في انتخابات الكنيست حتى بلغت نحو 50% في انتخابات الكنيست الأخيرة (2009)، وهذا ما اعتبره صلاح انعكاسا لإرادة فلسطينيي الداخل بالبحث عن الموقف العصامي.

المشروع العصامي
شكلت انتفاضة الأقصى في أكتوبر/تشرين الأول 2000 مفصلا هاما في بلورة وعي الشيخ صلاح بشأن المسار المراد سلوكه من قبل عرب الداخل الفلسطيني بعد مرور (50) عاماً من النكبة. وتمثل ذلك الوعي بمشروع  "المجتمع العصامي" الرامي لإعادة تنظيم وبناء المجتمع العربي بإسرائيل كي لا يبقى مجتمعا استهلاكيا تابعا.

 
وترجمة لهذا المشروع، شرع صلاح في تأسيس مؤسسات منتجة في ميادين التجارة والصناعة والتموين ومراكز ذات نمط مستقل في شؤون الصحة والوقاية.
 
ويهدف المشروع إلى قطع تبعية فلسطينيي الداخل بإسرائيل ومؤسساتها ويقوم على عدة أركان منها إحياء الموارد المالية الذاتية وإنشاء مؤسسة الصدقة الجارية وغيرها من المؤسسات والشركات الزراعية جمعاً بين الأرض، والقدرات العلمية والمال.
 

 انتفاضة الأقصى عمقت وعي الشيخ رائد صلاح بالحفاظ على صمود أهالي المدن الساحلية (رويترز- أرشيف)
 انتفاضة الأقصى عمقت وعي الشيخ رائد صلاح بالحفاظ على صمود أهالي المدن الساحلية (رويترز- أرشيف)

وبلغ عدد الجمعيات والمؤسسات التابعة للحركة الإسلامية بعد انتفاضة الأقصى نحو ثلاثين جمعية ومؤسسة تعنى في مجالات شتى مثل الأمومة والطفولة والطلاب والإغاثة والرياضة والشباب والإعلام والأدب والفن والأبحاث والدراسات والأرض والمقدسات.

 
ومثلت تجربة مؤسسة الأقصى للدفاع عن المسجد الأقصى والقدس وبقية المقدسات في فلسطين -التي يترأسها- نموذجا لنجاح مشروع المجتمع العصامي، كما رسمه الشيخ رائد على مستوى الإعمار والقيم.
 
ويرى الباحث الخبير بالحركة الإسلامية مهند مصطفى أن انتفاضة الأقصى عمقت وعي الشيخ رائد صلاح بضرورة الحفاظ على انتماء وهوية وصمود أهالي المدن الساحلية (عكا، وحيفا، واللد، والرملة) المعروفة بالمدن المختلطة لإقامة العرب واليهود معا فيها.

الأسلمة والأسرلة
وجابه رائد صلاح مشروع "الأسرلة" بمشروع الأسلمة واعتبره تحديا مركزيا يحظى بجل اهتمامه، وأفاد استطلاع إسرائيلي للرأي نشر في 2002 أعده معهد داحاف الخاص بالاستطلاعات أن 44% من مسلمي الداخل عادوا للالتزام الديني خلال العامين الأخيرين بسبب تعاظم قوة الحركة الإسلامية.

 
ويشير الباحث مصطفى إلى أن الشيخ رائد صلاح أدخل للخطاب السياسي العربي المحلي مصطلح "الاضطهاد الديني" كمرافق لمصطلح التمييز القومي، تعقيبا على تدخل السلطات الإسرائيلية لتشويه الهوية الدينية لفلسطينيي الداخل.
 
وتعرض الشيخ رائد صلاح بعد هبة القدس والأقصى لسلسلة ملاحقات واعتقالات ومحاكمات بحجة خرق القانون بلغت ذروتها باعتقاله عام 2002 لمدة عام بعد إدانته بالاتصال مع عدو.
 
وفي فبراير/شباط 2002 أصدر وزير الداخلية الإسرائيلية بتوصية من (الشاباك) أمرا بمنع سفر الشيخ رائد خارج البلاد استنادا لقوانين الطوارئ من العام 1948 بحجة الدفاع عن الأمن. وقبل أن تمنعه إسرائيل، كان الأردن قد منعه من دخول أراضيه ست مرات، المرة الأخيرة منعه من التوجه لأداء العمرة والمرور عبر أراضيه في العام 2009.
 

الشيخ رائد صلاح أعتقلته إسرائيل مرات عديدة (الفرنسية- أرشيف)
الشيخ رائد صلاح أعتقلته إسرائيل مرات عديدة (الفرنسية- أرشيف)

خطة أمنية
واعتبر صلاح ذلك محاولة إسرائيلية لتعطيل مشروع بناء المؤسسات الإسلامية، من خلال وقف التواصل مع العالم العربي والإسلامي. ويوما بعد يوم صعدت المؤسسة الإسرائيلية ضد الحركة الإسلامية وقائدها رائد صلاح وتعالت أصوات باعتقاله وبإبعاده والإعلان عن حركته "منظمة غير قانونية".
 
وطالما حذر صلاح من وجود خطة أمنية إستراتيجية لدى المؤسسة الإسرائيلية لإلغاء وجود الحركة الإسلامية، بعدما أغلقوا مؤسسات أنشأتها كجمعية الإغاثة الإسلامية، وجمعية الإغاثة الإنسانية، وجمعية رعاية السجين واليتيم.
 
اعتقل الشيخ رائد صلاح وبعض رفاقه في الحركة الإسلامية عام 2003 لمدة عامين بعد إدانتهم بتهم "اتصال مع عدو وتبييض أموال" لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وبرئ من تهمة الإخلال بالنظام العام لكنه ينتظر مقاضاته في ملفات أخرى مرتبطة بدفاعه عن الأقصى.
 
وكشف استطلاع لمركز الدراسات المعاصرة في أم الفحم بشأن نظرة فلسطينيي الداخل لاعتقال الشيخ أن حوالي 92% منهم يعتقدون أن محاكمة الشيخ هي محاكمة سياسية واضطهاد ديني وجزء من الحملة العالمية على الحركات الإسلامية.
 
وقال رفيق دربه وزميله في قيادة الحركة الإسلامية الشيخ هاشم عبد الرحمن إن الشيخ رائد صلاح، بمثابرته ومشاريعه الكثيرة والاعتماد على العمل الأهلي استطاع أن يؤصّل قيمة الاعتماد على الذات رغم العراقيل الرسمية.
 
ومنذ العام 2003 يترأس الشيخ رائد صلاح "لجنة الدفاع عن الأسرى الفلسطينيين"، وهو عضو فعال في لجنة الدفاع عن الحريات التي يترأسها أمير مخول المعتقل منذ شهر للاشتباه في انتمائه لحزب الله.
المصدر : الجزيرة

إعلان